أمير المؤمنين الحق المبين والنجم الهادي في غياهب الدجى والبيداء والفيافي
بسم الله الرحمن الرحيم
الواحد والعشرون من شهر رمضان المبارك عام أربعين من الهجرة الشريفة ذكرى شهادة البدر المنير، والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجى والبيداء والقفار ولجج البحار، دليل الهدى والمُنجي من الردى، السحاب الماطر، والغيث الهاطل، والشمس المضيئة، والأرض البسيطة، والعين الغزيرة، والغدير والروضة، أمير المؤمنين ويعسوبهم علي بن أبي طالب بن عبد المطلب عليه وعلى أولاده الأطهار الأبرار وابن عمه الرسول المختار أفضل وأتم وأكمل الصلاة والسلام.
ألقابه عليه السلام وكناه:
لقد إشتهر للإمام عليه السلام اسمان وكنيتان.. وألقاب عديدة، كالتالي:
فهو علي عند الله ورسوله وحيدر عند أمه وأبيه ..
كنيته: أبو الحسن، نسبة لإبنه الأكبر، وأبو تراب، حيث كناه الرسول صلى الله عليه وآله به.. الى غيرها من الكنى كأبي السبطين وأبي الحسنين و..
وأما الألقاب فهي كثيرة منها: أميرالمؤمنين وهو أشهرها وأمير النحل لتشبيه المؤمنين بالنحل ويعسوب المؤمنين وقائد الغر المحجلين وأسد الله وأسد رسوله و..
فألقابه وصفاته عليه السلام رائعة الجمال رائقة الجلال والكمال.. تخبر عن معنى من معاني الإمام عليه السلام او مزية من مزاياه أو فضيلة من فضائله التي جلّت عن العدّ أو الحصر أبداً..
نقوش خواتيم الأمير عليه السلام:
1ـ على الفص العقيق وهو للصلاة: «لا إله إلا الله عدة للقائه».
2ـ على الفص الفيروزج وهو للحرب: «نصر من الله وفتح قريب».
3ـ على الفص الياقوت وهو للقضاء: «الله الملك وعلي عبده».
4ـ على الفصل الحديد الصيني وهو لختمه: « لا إله إلا الله، محمد رسول الله»
(العمدة لابن البطريق:ص74)
النشأة والأوصاف:
ولد الفتى علي عليه السلام في بيت الله الحرام...وتغذى من فم ولسان سيّد الأنام صلى الله عليه وآله.. ونمى وترعرع في منزل أبي طالب عليه السلام حامي الإسلام الأول..
وما أجمل ما وصف به الأمير عليه السلام تلك الأيام عن علاقته بابن عمه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وذلك حين قال:
«وضعني في حجره وأنا وليد يضمني الى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل، ولقد قرن الله به صلى الله عليه وآله من لدن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره، ولقد كنت أتبعه إتباع الفصيل إثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالإقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأره ولا يراه غيري ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وخديجة عليها السلام، وأنا ثالثهما .. أرى نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوة ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى الله عليه وآله فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنة؟ فقال هذا الشيطان قد آيس من عبادته، إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست نبي ولكنك الوزير وإنك لعلى خير..» (نهج البلاغة عنه البحار:ج38ص320ب67ح33)
نعم .. إن أمير المؤمنين عليه السلام قد نشأ في منزل الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وبيته وذلك أن الرسول صلى الله عليه وآله حيث تزوج من خديجة قال لعمه أبي طالب: إني أحب أن تدفع إليَّ بعض ولدك يعينني على أمري ويكفيني، وأشكر لك بلاءك عندي..
قال أبو طالب عليه السلام: خذ أيهم شئت..
فأخذ صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام.. (بحار الأنوار: ج38ص295ب67ح33)
فمن استقى عروقه من منبع النبوة ورضعت شجرته من ثدي الرسالة وتهدلت أغصانه من نبع الأمانة ونشأ في دار الوحي ورُبي في بيت التنزيل ولم يفارق النبي صلى الله عليه وآله في حال حياته الى حال وفاته لا يقاس بسائر الناس ..فإنه نفس النبي صلى الله عليه وآله بصريح الآية المباركة (وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) آل عمران:61.
أوصافٌ وشمائل:
وهو الخليفة بعده صلى الله عليه وآله دون سواه بنصه صلى الله عليه وآله الشريف.
فما هي الأوصاف التي تذكر للأمير عليه السلام .. وكيف كان ذاك العملاق في الإنسانية..
عذراً سيدي فليس لنا أدوات ولا كلمات لكي نصفك بما تعرف أو تألف .. إلا أنهم قالوا في وصفه: «كان عليه السلام مربوع القامة أدعج العينين سهل الخدين أزج الحاجبين حسن الوجه كان وجهه قمر ليلة البدر ... وكان عنقه إبريق فضة .. عريض الصدر والمنكبين..» (نزهة المجالس:454)
وتلميذه ابن عباس قال عنه عليه السلام: «كان علي أمير المؤمنين عليه السلام يشبه القمر الباهر والأسد الخادر والفرات الزاخر والربيع الباكر فأشبه من القمر ضوءه وبهاءه ومن الأسد شجاعته ومضاءه ومن الفرات جوده وسخاءه ومن الربيع خصبه وحياءه عقمت النساء أن ياتين بمثل علي بعد النبي صلى الله عليه وأله» (لسان العرب:ج14ص216مادة (حيا))
والمحب الطبري يقول: «وكان عليه السلام ربعة من الرجال أوعج العينين عظيمها، حسن الوجه كأنه قمر ليلة البدر.. عريض ما بين المنكبين ..والمشهور أنه كان أبيض اللحية وكان إذا مشى تكفأ شديد الساعدين واليد وإذا مشى الى الحرب هرول ثبت الجنان قوي ما صارع أحد إلا صرعة شجاع منصور عند من لاقاه..» (ذخائر العقبى:ص57 وبحار الأنوار:ج32ص605ب12ح478)
وقال عنه المغيرة: «كان علي عليه السلام على هيئة الأسد غليظاً منه ما أستغلظ ودقيقاً منه ما استدق..» (بحار الأنوار:ج35ص2ب2ح1)
وقال حريث: «وكان عليه السلام بشره دائم وثغره باسم غيث لمن رغب وغياث لمن ذهب مآل الآمل وثمال الأرامل يتعطف على رعيته ويتصرف على مشيته ويكفيه بحجته ويكفيه بمهجته..» (بحار الأنوار:ج41ص51ب104ح3)
وأخيراً قال ابن أبي الحديد في شرحه: «وأما سجاحة الأخلاق وبشر الوجه وطلاقة المحيا والتبسم فهو المضروب به المثل فيه حتى عابه بذلك أعداؤه...» (بحار الانوار: ج41ص147ب107ح45)
الرسول يصف علياً:
إن الأجمل من هذا كله هو قول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ووصفه له حيث قال: «من أراد ان ينظر الى آدم في جلالته والى شيث في حكمته والى إدريس في نباهته ومهابته والى نوح في شكره لربه وعبادته والى إبراهيم في وفائه وخلته والى موسى في بغض كل عدو لله ومنابذته والى عيسى في حب كل مؤمن ومعاشرته فلينظر الى علي بن أبي طالب عليه السلام» (بحار الأنوار:ج17ص419ب5ح49)
وقال صلى الله عليه وآله «من أراد أن ينظر الى يوسف في جماله والى إبراهيم في سخائه والى سليمان في بهجته والى داود في حكمته فلينظر الى علي بن أبي طالب عليه السلام» (بحار الأنوار:ج39ص35ب73ح2)
هذا بعض ما ذكر في وصف الأمير عليه السلام وهو ولي الله الأعظم والإمام الأكبر لبني البشر.
الأولاد:
من فاطمة الزهراء عليها السلام: الحسن والحسين والمحسن السقط، وزينب الكبرى وزينب الصغرى (أم كلثوم) وسكينة.
ومن غيرها غيرهم، وفي بعض الروايات كان لأمير المؤمنين علي السلام من الأولاد سبع وعشرون وفي أكثرها أربعة وثلاثون..
منهم: محمد بن الحنفية عليه السلام، أمه خولة بنت جعفر بن قيس.
عمر ورقية توأمان، أمهما أم حبيب بنت ربيعة.
العباس وجعفر وعثمان وعبد الله: شهداء الطف، أمهم فاطمة بنت حزام الكلابية (أم البنين) عليهم السلام.
محمد الأصغر (أبو بكر) وعبيد الله، شهيدان بالطف، أمهما ليلى بنت مسعود الدارمية.
يحيى وعبيد الله.. أمهما أسماء بنت عميس الخثعمية.
أم الحسن ورملة.. أمهما (أم مسعود) أو (أم سعيد) بنت عروة بن مسعود الثقفي.
نفيسة وزينب الصغرى ورقية الصغرى وأم هاني وأم الكرام وجمانة (أم جعفر) وأمامة وأم سلمة وميمونة وخديجة وفاطمة ..لأمهات شتى.
وهؤلاء الكوكبة المباركة من الذكور والإمام هم أبناء وبنات أمير المؤمنين عليهم السلام حسب أقوال كثير من المؤرخين...
أنوار ولائية وإشعاعات حضارية:
علي .. ومن كمثلك يا علي عليه السلام.
يذكر العلامة الجليل محمد جواد مغنية رحمه الله أنه كان حاضراً في حفل بهيج لذكرى ولادة الامير عليه السلام فتعاقب الخطباء واحداً تلو الآخر والى أن قدم عريف الحفل الأستاذ شكيب أرسلان الأديب اللبناني المعروف قائلاً:
تسمعون كلمة من الأمير شكيب، وإنما سمي أميراً لأنه شبيه بالأمير في سنانه وبيانه..
فغضب شكيب من هذا التشبيه وانبرى الى المنبر وقال:
والله ما أعتراني الخجل منذ خلقت حتى الساعة كما اعتراني حين سمعت المعرّف يشبهني بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ..
والله.. إن كل ما في السماء والأرض ـ عدا الله ورسوله ـ لا يشبه الغبار الذي على حافر فرس علي بن أبي طالب عليه السلام.
إن الله أمر بالخير.. ونهى عن الشر.. ثم خلق علياً كما يشاء وقال للناس: هذا هو المثل الأعلى فأحتذوه..(فضائل الإمام:ص180)
نعم.. علي عليه السلام المثل الأعلى.. والقدوة المثلى.. والأسوة الحسنى.. والعروة الوثقى..
تعقيب:
فالإمام عليه عليه السلام هو وجه الله الذي منه يؤتى ويد الله التي تصول وتجول على الإعداء..وولي الله الأولى.. ووصي الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله..
الإمام علي عليه السلام هو صريخ المؤمنين وغوث الهاربين ونصرة المظلومين وهداية التائهين ونور الضالين وأمل المحرومين وملاذ المستضعفين وسيف الفقراء بوجه الظالمين..
عفوك سيدي.. يا ملاذنا ومعاذنا..
كيف لا.. وقد لاذ بك الأنبياء عليهم السلام والأولياء والصالحون إذ إنك كنت مع جميع الأنبياء بالسر والباطن.. وأيدت آخرهم وسيدهم صلى الله عليه وآله بالعلن والظاهر.
فأنت وأنت.. ولا أحد ممن خلق الله يعلم من أنت وما أنت.. إلا الله ورسوله العظيم محمد بن عبد الله عليهم السلام، وأما بقية الخلق فاكثرهم جهال بحقك ومكانتك وكنه معناك وعظيم علمك وتقواك.. يا مولى المتقين..
عليٌّ وآدم:
فنبي الله آدم عليه السلام أكل من تلك الشجرة التي نهي عنها أما أنت يا سيدي فقد أذهب الله عنك الرجس وطهرك تطهيراً فما عصيت الله طرفة عين ـ حاشاك وكنت عين الهداية ومقصود المهتدين.. فأين أنت عن الغواية..؟
ألم يكن اسمك عظيم من بين جملة الأسماء التي تعلمها عليه السلام فتاب الله سبحانه بها عليه وعلى زوجته رضى الله عنهما وفاق الملائكة علماً فسجدوا له بك يا مولاي..؟
عليٌّ ونوح:
وما حال أبي البشر الثاني نبي الله نوح عليه السلام شيخ الأنبياء وسيد المعمرين الذي دعى قومه الى ربه وعبادته 950سنة وما آمن معه إلا قليل.. ألم تكن نجاته ونجاة سفينته من الطوفان والأمواج التي كانت كالجبال حينذاك إلا بك وبآلك الكرام عليهم السلام؟
نعم.. فقد جاء في كتب الروايات وأيدته الوقائع والكشفيات الأثرية مؤخراً في اللوح المكتشف منذ الأمس القريب وذلك حينما كان فريق من خبراء المعادن الروس منكبّاً على حفر الأرض للتنقيب عن المعدن وفي كانون لعام 1951م ظهرت فجأة ألواح خشبية منخورة.. وبعد المزيد من التنقيب إتضح لهم أن هنالك الكثير من الألواح الخشبية المدفونة تحت الأرض وقد تآكل بعضها وبلي بمرور الزمان، وتوصلوا الى أن بعضها غير عادي ويشتمل على سر مكنون فيه..
فأخذوا بمزيد من الحفر بدقة بالغة ثم استخرجوا الألواح الخشبية النخرة وعثروا من بينها على لوح خشبي مستطيل قد أدهش الجميع لان تصرم الزمان قد ابلى جميع الخشب سوى هذا اللوح الذي يبلغ طوله أربع عشر إنجاً (حوالي 35سم) وعرضه عشر إنجات (25سم) ونقش عليه بضع أحرف.
لجنة ونتائج وكلمات:
فشكلت الحكومة الروسية لجنة للتحقيق والبحث حول هذه الألواح في 27 شباط لسنة 1953م وكان أعضاؤها خبراء في الآثار وأساتذة مختصين باللغات القديمة..
وبعد ثمانية أشهر من البحث والتنقيب انكشف سر ذلك اللوح الخشبي للجنة فاتضح أنه من سفينة نوح عليه السلام وقد نصب هذا اللوح عليها للبركة والإستمداد لما كتب عليه.
وكان في وسط اللوح رسم يمثل كفّا كتبت عليه عبارات عديدة باللغة السامية، ومن ثم ترجمت اللجنة تلك العبارات الى اللغة الروسية وترجمت فيما بعد الى اللغة العربية وكانت ترجمتها بالحرف:
يا ربي..! يا مغيثي..ّ
بلطفك ورحمتك، وبالذوات المقدسة!
محمد..
وإيليا..
وشبر..
وشبير..
وفاطمة..
أعِنّي.. فإن هؤلاء الخمسة أعظم الخلق فيجب إعظامهم واحترامهم وإن جميع الدنيا خلقت لأجلهم..
إلهي بأسماء هؤلاء اعني أنك قادر على هداية جميع الخلق الى الطريق القويم..
(الإمام علي عليه السلام والأنبياء:ص43)
وكذا كان النبي سليمان عليه السلام حيث اكتشف في مطلع هذا القرن لوح سمي بـ (لوح سليمان) وكانت ترجمته بعد التدقيق والترجمة من العبرية الى العربية:
الله
أحمد إيلي
باهتول
حسن حسين
يا أحمد أغثني
يا علي أعني
يا بتول احميني
يا حسن أكرمني
يا حسين أسعدني
ها هو سليمان يستغيث الساعة بهؤلاء الخمسة الكرام وعليّ قدرة الله.
عليٌّ ونبي الله داوود:
أما داوود النبي عليه السلام صاحب الزبور فقد جاء في زبوره ما يلي:
«إطاعة ذلك الرجل الشريف الذي يدعى (إيلي) واجبة، وإطاعته صلاح لأمور الدين الدنيا، ويسمى هذا الرجل العظيم أيضاً حدار (أي حيدر) إنه معين المساكين ومغيثهم وأسد الأسود وقوته وقدرته خارقة وسيولد في كعابا (أي الكعبة).. يجب على جميع الناس أن يتمسكوا بعروة هذا الرجل الجليل ويطيعوه كما يطيع العبد مولاه.. فاليسمع كل من له أذن واعية، وليفهم كل من له عقل فهيم، وليعلم كل من له قلب ولب لأن الوقت يمضي ولا يعود ثانية..» (الإمام علي والأنبياء:ص31)
كلمة في المقام:
وهكذا كان الأنبياء والأوصياء عليهم السلام يتوسلون بوجوده المبارك الى الله عز وجل في ضرائهم وشدائدهم.. فإن العظماء يعرفون قدر بعظهم البعض والأنبياء عليهم السلام يعرفون أفضل وسيلة وأقوى حبل الى الله هو الرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وآله الأطهار لأنهم العلة الغائية للكون وهم أحد أسباب الوجود والخلق..
ألم يقولوا عليهم السلام: نحن الوسيلة الى الله المثلى..
ونحن الصراط المستقيم..
ونحن حبل الله الممدود بين السماء والأرض..
وهم العروة الوثقى التي لا انفصام لها..
وهم سفينة النجاة للأمة.
وهم باب النجاة للملة.
فأستجاب الأنبياء والأوصياء عليهم السلام تكون بأفضل الوسائل وأنجح الطرق الموصلة الى الهدف وسيدهم وخاتمهم كثيراً ما قال صلى الله عليه وآله: إذا أحببتم استجابة دعائكم فابدؤوه وأختموه بالصلاة التامة غير المبتورة.. وهي الصلاة على محمد وآله فإنها أحد أهم علامات قبول الدعاء والتهيؤ لاستجابته.
نعم فإنه «لا يقاس بآل محمد أحد أبداً..»..
الماسةُ الكبرى:
وأمير المؤمنين عليه السلام هو الألماسة الكبرى كما سماه ذاك الحكيم وهو سيد العترة الطاهرة وأصلها المبارك الثابت.. وهو أمير في الدنيا والآخرة وإمارته في الدنيا تشمل جميع المؤمنين على امتداد التاريخ الغابر والحاضر، ومن أتت به الأيام وتأتي به الأزمان منذ آدم عليه السلام والى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. ما عدا رسول الله صلى الله عليه وآله.
فكل المؤمنين من أنبياء وأوصياء وشهداء وصالحين هو عليه السلام أميرهم لا منازع... فالأمير أمير والإمام إمام مهما طالت الأيام ومهما أبعدته.
والأنبياء والأوصياء عليهم السلام الذي يمثلون الخط الإلهي في هذا الكون يدركون هذه الحقائق الثابتة تماماً فلا يجحدونها ـ وحاشاهم من الجحود ـ بل يلتزمونها تمام الألتزام ولهم الفخر في ذلك كما افتخر به أعظم ملائكة الله جبرئيل عليه السلام بالإنتساب الى أهل البيت عليهم السلام وهذا ما قصه حديث الكساء الشريف وغيره من الأحاديث النورانية المعتبرة والصحيحة.
الخسران المبين:
ولكن هذه الأمة قد جحدت حق أمير المؤمنين عليه السلام وكثير منهم أنكروا فضله وفضائله.. مع أنهم قد استيقنتها أنفسهم وبذلك خسَّروا البشرية الكثير والكثير ولم يضروا الإمام عليه السلام شيئاً حيث لا يحتاج إليهم بل هم المحتاجون إليه والى آله الأطهار عليهم السلام.. فكان جحودهم وأستنكارهم كجحود رجل يبصر الشمس ويحس بحرارتها في منتصف نهار صيفي.. فهل يضر الشمس جحوده؟ وهل تبطل أنوارها وحرارتها نكرانه..؟
لا.. ولكن حظه الذي جحد وعقله الذي أنكر.. لا أقل من ذلك ولا أكثر، فالشمس شمس وأن أنكرها كل البشر والبدر بدر وإن خافته وأختبأت منه الخفافيش الغبية التي تخشى النور ولا مرتع لها إلا الليالي الحالكات وهي غاطسة في الظلام والظلمات..
نعم إن أعداء الأمير عليه السلام طمسوا عقولهم ودفنوا رؤوسهم في الوحل وليس الرمل كالنعامة.. خوفاً من النور وتحاشياً للجهر بالحق وتهرباً من الحرية الحقيقية التي تعني العبودية المطلقة الى الله وحده لا شريك له ولا ند ولا شبيه ولا معبود باستحقاق العبودية إلا له.. سبحانه وجلت قدرته..
قالوا عنه الكثير:
قالوا عن الأمام أمير المؤمنين عليه السلام الكثير وهذه الأقوال انطلقت من انبهار في شخصية الإمام ولا سيما ما كان ينطلق من ألسنة غير المؤمنين من أي طائفة أو دين أو ملة كانت.. وراح علماؤنا يتناقلونها ويفتخرون بها أن قال الكاتب فلان عن الإمام عليه السلام:
إنه.. شهيد عظمته على سبيل المثال..
أو إنه عليه السلام شخصية ولدت قبل أوانها وزمانها..
أو إنه الدر والذهب المصفى..
الى غير ذلك من الأقوال الجميلة في سبكها ومعناها.
إلا أن الإمام عليه السلام كان أكبر من الزمان والمكان فهو يحيط بالجميع بإذن الله تعالى لأنها جميعاً واقعة تحت ولايته التكوينية ولا يحويه شيء أو يحيط بكنهه أو معرفة حقيقية أحد إلا الله ورسوله صلى الله عليه وآله فقط..
والإمام علي عليه السلام موجود بسيرته العطرة في كل لحضة وفي كل أوان.. وفي كل اتجاه أو مجال من مجالات الحياة فهو لسان الميزان لأنه هو الحق.. والحق يدور معه كيفما دار أو اتجه.. فأينما يكون خير وشر ونور وظلمات فهو عليه السلام الحق والخير والنور فكان عليه السلام شهيد الحق وهو بالتالي شهيد الله وشاهد على أعمال العباد دائماً وأبداً..
والإمام علي عليه السلام هو الحق المبين.. وليس له الدر والذهب المصفّى إلا مجازاً ومن باب ضيق التعبير! فاي در وأي ذهب فهي فلزات ومعادن.. وذاك علي عليه السلام أعلى وأجل من كل من علا إلا خالقه وابن عمه المصطفى صلى الله عليه وآله..
فما من كتاب تطرق الى تاريخ الإسلام والإنسانية والعدالة والحقيقة.. إلا ويذكر فيه فضائل من عظيم فضائله عليه السلام ـ وكم من كتاب يختص بالفضائل ـ ولم يكتب أحد ولم يوضع كاتب ولا أديب في الفضائل إلا كان أمير المؤمنين عليه السلام في رأس قائمة الفضائل تلك.
فالأمير عليه السلام فضيلة وما بعدها فضيلة وكل الفضائل منه تستقي وكل الفضلاء من نبعه ترتوي ومن هطل غيثه تنتشي والحديث طويل وجميل والمقام عظيم وجليل إلا أن علينا الإختصار ورعاية المقام..
الشهادة المفجعة:
الشهادة: مقام وفضل ونور إلهي يعطيه لأصحاب المراتب العالية من المؤمنين فكان الأجدر بأمير المؤمنين وامامهم عليه السلام ان يكون شهيداً؟
والمفجعة: لأنها فجعت لها السماوات والأرضين وما فيهن وما بينهن فما من مؤمن من الإنس أو الجن أو الملائكة إلا وقد فجع باستشهاد أمير المؤمنين عليه السلام، فقد ورد عن ابن عباس رحمه الله أنه قال: «بكت السماء دماً على علي عليه السلام ثلاثة أيام» (مناقب ابن آشوب:ج2ص246)
والشهادة محررة: لأنها حررت الإمام عليه السلام من الدنيا ومصاعبها فقال عليه السلام حين ضربه اللعين: «فزت ورب الكعبة» (بحار الأنوار:ج41ص2ب99ح4)
فالفوز كان بالشهادة في محراب العبادة في مسجد الكوفة المبارك..
فولادته عليه السلام كانت في جوف الكعبة المشرفة وشهادته كانت في محراب الكوفة المقدسة بمسيل دمائه الطاهرة على ترابها..
وكان ذلك في صبيحة يوم 19من شهر رمضان المبارك حيث كمن له أشقى الأولين واللآخرين ابن ملجم المرادي (لعنه الله) وعندما أخذ الإمام عليه السلام بنافلة الفجر ضربه بسيفه المسموم على قرنه الشريف فخضب لحيته الشريفة من دمه الطاهر كما أخبره ابن عمه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله.
وأنتقل الإمام عليه السلام الى جوار ربه بعد يومين من تلك الحادثة أي في ليلة 21من شهر رمضان المبارك سنة 40 للهجرة المباركة..
فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً ليكون حامل لواء الحمد وساقي الحوض وقسيم الجنة والنار...