أمل المحرومين
أمل المحرومين





.
أمل المحرومين
أمل المحرومين





.
أمل المحرومين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أمل المحرومين

غيبوك في ظلمة نفوسهم وما أدركوا اننا شعب الانتظار
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابة*البوابة*  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
عاشقة حركة أمل
حركي مميز
حركي مميز



العمر : 38
انثى
عدد المشاركات : 50
مستوى النشاط : 62

محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة Empty
مُساهمةموضوع: محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة   محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة Icon_minitimeالسبت أبريل 17, 2010 1:05 pm

محاضرة لسماحة الإمام السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة

إختير لي في هذه السلسلة من المحاضرات موضوع الإسلام، والموضوع في حد ذاته واسع جداً، ثم اعتبار هذا الموضوع حلقة من مصادر الثقافة في لبنان يضيف جانباً جديداً على موضوع المحاضرة: جانباً ثقافياً تاريخياً يشمل حقلاً مترامي الأطراف.. متنوع الجوانب.. شمل ثقافة لبنان وتنوعها.
فالبحث عن تأثير الإسلام في الثقافة بلبنان يمتد منذ أيام انتشار الإسلام باتجاه هذه المنطقة واستقرار الحكومات والأنظمة الإسلامية في دمشق وغيرها الى جولات الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري في جبال لبنان والتأثيرات والتفاعلات العامة لتعميم الدعوة الإسلامية في جميع هذه المناطق طيلة القرون المتتالية، ومن مساهمة علماء لبنان في توسيع الثقافة ونقلها الى أقطار العالم، الى الإنتاج الضخم من الكتب والمحاضرات الذي نجده عند علماء جبل عامل وبعلبك وبيروت وطرابلس. ثم انفعال اللغة العربية بصورة عامة بالتعاليم الإسلامية وبالقرآن الكريم بالذات، كل هذا وغيره يتجاوز إمكانية البحث عنه في محاضرة واحدة، وبعد ذلك: فمستوى الداعية (هذه العالمة الجليلة) ومستوى المحاضرين والمستمعين.. مما يجعل حقل المحاضرة حقلاً جامعياً عالمياً.
هذه العناصر جعلتني أحتار في انتخاب الجانب الذي يناسب التحدث عنه، وفرَضت عليّ تأخيراً في تقديم المحاضرة ربما خرجتُ به عن الطريقة المتبعة في هذه السلسلة. فحاولتُ أخيراً أن أفسّر العنوان العام لسلسلة المحاضرات وأوسّع مدلوله، فأختار البحث عن أحد مصادر الثقافة في لبنان، لا عن تأثير هذه المصادر في ثقافتنا اللبنانية كما هو المطلوب، وحثّني على هذه المحاولة تلاقي الأفكار الشرقية والغربية في لبنان حول كل شيء وحول الإسلام مما قد يوجب اكتناف الغموض في النقاط الأساسية من الإسلام، تلك النقاط التي أخذت القسط الأكبر من دراسات علماء كبار أمثال: "ماسيه"، "لامانس"، "درمنيجهام"، و"ماسينيون"، وأمثالهم..
ويزيدكم في قبول هذا الاعتذار أني أحاول عدم الخروج عن اختصاصي بصورة عامة، وفي هذا الحقل بصورة خاصة، وأرجو أن أوفّق لأداء المهمة مع بذل جهدي المقلّ وتقديمه المتواضع.
قلتُ أنّ تلاقي الأفكار ودارسات هؤلاء العلماء جعلت الغموض يكتنف هذه النقاط، ولكن ما أردت اتهام هؤلاء الأفذاذ الذين صرفوا عمرهم في دراسة الشرق والإسلام، ولا قصدت تقليل قيمة دراساتهم الواسعة العميقة وخدماتهم الكبرى للثقافة العالمية. بل أريد أن أقول: إنّ المبادئ الدينية والحقائق والأفكار المذهبية لا يمكن أن تعبّر عنها ألفاظ وعبارات محضة، ولا تُدرس من خلال مطالعة بعض الكتب والمقالات التي تبحث عنها، وذلك لأنّ كل علم وكل عُرف له مصطلحاته الخاصة التي لا تُعرف حقائقها إلا بدراسة واسعة في حقول العلم المذكور أو ممارسة ذلك العُرف ممارسة تامة، تلك المصطلحات التي تسمّى حقائق عرفية عامة أو خاصة، والفقهاء يعبّرون عنها بالحقائق الشرعية أو الحقائق المتشـرعة، أما المعاني والأفكار الدينية فيضاف إليها أنها تقارن سلسلة من الخواطر الروحية والحياة المعنوية من
العقائد والتربية الدينية والعِشرة الطويلة مع أبطال الفكرة ومؤسسيها.
هذه الميزة التي تشبه الى حد ما شخصيات الأدب والفن وتجعل من الصعب جداً دراسة المبادئ والأفكار الدينية بعمق والحكم لها أو عليها، بل يجب على الباحث أن يطلع عليها وعلى جميع جوانبها وعلى تاريخها، ويجب أن يلاحظ مع الأحداث والنصوص والقرائن الحالية اللفظية، ثم يحاول أن يناقش أصحاب المبدأ، ويستوضح الملابسات والمتشابهات، لكي يتمكن من الخوض فيها والإحاطة بها.
وأعتقد أنّ مراجعة كتب أصول الفقه (مباحث الألفاظ) تؤكد ما ذُكر، لهذا فإنا نعتقد أنّ أفضل طريقة لدراسة هذه المبادئ والأفكار هي الطريقة المتبعة في هذه المحاضرات، وهي طريقة الندوة اللبنانية في محاضراتها من إناطة البحث بأصحاب المبادئ ومطالبتهم بموضوعية البحث بالدراسة.
أما النقاط التي أحاول البحث عنها في هذه المحاضرة فهي:
1- الأصالة أو ذاتية الإسلام.
2- الروحية في الإسلام وقوّتها أو ضعفها.
3- اهتمام الإسلام بشؤون المجتمع، وعدم الاكتفاء بالإيمان والخلاق، ثم حل مشكلة التطور.

1- الأصالة:
تحت هذا العنوان نناقش ما ملأ كتب المستشرقين والكثيرين من الباحثين الجدد، حيث أكدوا: "أنّ الإسلام أخذ الكثير من عقائد الأديان السماوية الأخرى، والتي كانت شائعة في أوساط العالم العربي التي كانت معبَراً لرحلات النبي محمد التجارية قبل ظهور الإسلام، وتأثّر الإسلام أيضاً بالأفكار والعادات الوثنية السائدة في الجزيرة وعند الفُرس والروم الذين كانوا على اتصال تجاري وسياسي مع العرب في مكة، والعبادات السومرية أو الصابئية أثّرت في العبادات والسيَر الإسلامية"، ولا أفضل من نقل نص ما قالوا حذراً من إطالة الكلام.
وقبل أن ندرس مدى صحة هذا الكلام يجب أن نلاحظ منطق الإسلام حول الأديان السماوية، فالقرآن يعلن أنّ رسالة محمد هي العقد الأخير من سلسلة الأديان الإلهية وأنّ محمداً هو خاتم الأنبياء مؤمن بهم ومصدّق بأنهم رسل ربه: قل ما كنت بدعاً من الرسل (الأحقاف: 9)، و آمن الرسول بما أُنزل إليه من ربه والمؤمنون، كلٌ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحد من رسله (البقرة: 285).
والقرآن يؤكد أنّ دين الله واحد، ويسمّيه بالإسلام، ويعتبر أنّ جميع الأنبياء كانوا يبشّرون به: وأنّ الله جعل لكل منهم شرعة ومنهاجا: شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وعيسى أن أقيموا الدين ولا تفرقوا فيه (الشورى: 13).
وفي كثير من الآيات القرآنية نجد القرآن ينقل عقائد وأحكاماً وقصصاً تربوية عن الرسالات السماوية السابقة، ويعتمد عليها، إذا لاحظنا هذا المنطق فلا نجد أية غرابة أو أي مانع من تشابه العقائد والأحكام والأخلاق الإسلامية مع غيرها. ولكننا نقول أنّ الإسلام (مع ذلك) له طابع خاص في جميع حقوله وتعاليمه يعطيه ذاتية خاصة به ويميّزه عما عداه من الأديان ومن العقائد الأخرى. والباحث في مختلف حقول الإسلام يمكنه أن يكشف هذا الطابع وبوضوح، هذا
الطابع الذي يعبّر عنه بالتوحيد، فيسمّى الإسلام بـ"دين التوحيد".
فكلمة الإسلام حسب المصطلح القرآني تعني التسليم لله رب العالمين الذي ..له أسلَم ما في السموات والأرض طوعاً وكرها وإليه يرجعون (آل عمران: 83).
فالإسلام إذن هو الانضمام والانخراط في سلك جميع مَن في السموات والأرض والاتحاد معهم في المبدأ والسير والمرجع اتحاداً أزلياً أبدياً.
والإسلام أيضاً حسب التفسير القرآني هو السجود الإرادي من الإنسان وتسبيحه وصلواته والتحاقه بذلك بركب الكائنات الواحد الذي هو بمجموع أجزائه ساجد مسبّح ومصلّ لله الواحد في محراب الكون الواحد: ألم تر أنّ الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس (الحج: 18)، و يسبّح لله ما في السموات وما في الأرض له المُلك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (التغابن: 1)، و يسبّح الرعد بحمده (الرعد: 13)، و تسبّح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم (الإسراء: 44)، و ألم تر أنّ الله يسبّح له من في السموات والأرض والطير صافات كلٌ قد علم صلاته وتسبيحه (النور: 41)، و "المجتمع كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت سائر الأجزاء بالسهر والحمى" (حديث)..
الإنسان موجود واحد: بجسمه وروحه وحدة متكاملة متفاعلة، وفي حقل العقيدة والإيمان أنّ الله هو الأول والآخر والظاهر والباطن والمبدأ والمنتهى، وهو واحد: إنا لله وإنا إليه راجعون (البقرة:256).
والغاية في السير والعبادة والجهاد هو الله الواحد: وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين (البيّنة: 5)، و ويكون الدين كله لله (الأنفال: 39).
وفي الأنظمة الاجتماعية والمالية والمدنية والأخلاقية نجد محاولات واضحة لجعلها على قاعدة واحدة تقرّب بين الأفراد، حتى تجعل من كل واحد بعضاً من الكل: لا فرداً من الكل –على حد التعبير المنطقي-، وقد عبّر القرآن عن الأموال والتعهدات والقوى المادية والمعنوية للأفراد المختلفة أنها لكم، فأضافها الى المجموع تكريساً لهذه التربية وتأكيداً لهذه القاعدة.
وتأثّر الفن الإسلامي بهذا الطابع المميز، فأصبح طابعه الانحناء الذي يشكّل خطاً واحداً على اختلاف أشكاله وأنواعه.
وبكلمة موجزة: إنّ الطابع المميز للإسلام هو الوحدة في الإيمان والتشريع والفن والتفسيرات.
فلنعد الآن الى ذكر بعض التفاصيل، وخاصةً ما ورد في عبارات الأستاذ "ماسيه" لكي نرى الأصالة والذاتية بوضوح أكثر..

أ / الـلـه:
فالله هو الذات الواحد الأحد، ليس كمثله شيء، له الأسماء الحسنى والأمثال العليا والصفات الكمالية كلها، يتعالى عن كل نقص وحاجة، فهو الصمد، لم يلد ولم يولد، مجرّد من الانتساب الخاص الى أي شيء أو الى أي فرد أو الى أي ظاهرة، فالعالم بأجمعه والبشر بجميع أفراده والأحداث كلها أمامه سواء.. هو الخالق والمستمر في خلقه، لا وجود ولا بقاء للموجودات دون إرادته ودون تصرفه، وهو عالِم بالغيب والشهادة لا يعزب عنه مثقال ذرّة.
ويرى الباحث هذا الكمال المطلق الذي يتجلّى في تفسير الله يعكس على الخالق جوانب تربوية عديدة، ويُبعده عن مجرد فكرة تجريدية وصورة قلبية أو طقوس مذهبية.
فالتعمّق في التجرّد، والابتعاد عن الشبَه، والتعالي عن أي ربط خاص بشيء ينـزع صفة القداسة الذاتية عن كل شيء، ويحرر الإنسان من أي قيد عقلي أو علمي أو عاطفي أو عملي أو اجتماعي، فيجعل منه (وهو عبد الله) الحر المنطلق في جميع شؤون الحياة: لا يقف أمامه مانع، وينعكس الكمال الإلهي على الكون كلّه وعلى الإنسان بالذات، فيرى الكون والإنسان في أحسن صورة وأكمل تقويم وأدق تنظيم.
والإحاطة اليومية –على حد التعبير القرآني- تربط بين التجرد المطلق الإلهي وبين أن يكون الله أقرب الى الإنسان من حبل الوريد.
الأرض جميعاً قبضته، والسموات مطويات بيمينه، فالأبصار لا تدركه، ولكنه يدرك الأبصار، إن الله بعيد عن إدراك العقول: "كلما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مخلوق لكم مردود إليكم" (حديث)، ومع ذلك: "فهو معكم أينما كنتم"، حيث أنه "مع كل شيء لا بالمقارنة وغير كل شيء لا بالمزايلة" (نهج البلاغة).
وهذه الإحاطة تُشعر الإنسان بالاطمئنان والقوة وتزيل عنه الوحشة وتوحي إليه بالمسؤولية.
ثم نرى تأثير الفكرة العميق في الحياة الإنسانية وابتعادها عن التجريد: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثمة وجه الله (البقرة: 115)، و "قلب المؤمن عرش الرحمن" (حديث)، و "إني عند المنكسرة قلوبهم" (حديث)، و "من عاد مريضاً فقد عادني في عرشي" (حديث قدسي)، و "المحسن يلمس يد الله حال إحسانه" (حديث).
وهكذا: يرى الباحث صورة جديدة لله في الإسلام تختلف عن جميع الصور الأخرى، وإذا كان يمكننا تلخيص الإيمان المسيحي بالله بكلمة موجزة هي أنّ "الله المحبة"، فإنه يمكن تلخيص الإيمان الإسلامي بالله بأنّ الله هو الحق: بما لكلمة الحق من معنى.
ولقد أجاد مترجمو القرآن المتأخرون، حيث احتفظوا بكلمة "الله" من دون تعبير آخر مشابه.

ب / الملائكة:
وهي فكرة قديمة قِدم الأديان، لكنها بصورة عامة في الإسلام وفي الأديان كلها تختلف عن ما ورد في آراء الفلاسفة بإسم "أرباب الأنواع" وبإسم "المُثل الأفلاطونية" و"الأنوار الاسفهبرية".
وقد نوقش موضوع الملائكة في الإسلام في كتب الباحثين من الشرق والغرب مناقشات مفصّلة، وساعدهم على هذه المناقشات كلمات علماء الكلام والسير من الأساطير والتخرصات حول الملائكة وحول المقربين منهم (جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل بالذات)، ورأى بعض المستشرقين الكبار خلال مقارناتهم أنّ هذه الفكرة في الإسلام دخيلة، واعتمدوا لذلك صيغ هذه الأسماء وغير ذلك.
ونحن حينما نحاول البحث في ذاتية الفكرة الإسلامية عن الملائكة فإننا نعيد الى ذاكرة المستمعين ما ورد في أول
المحاضرة حول تصديق الإسلام بالأديان السماوية السابقة وبما جاء فيها..
يقول:
إنّ ما ورد في كلمات علماء المسلمين في الكلام والسيرة والفقه أيضاً، فهي كلّها تحمّل قائليها المسؤوليات، أما مصادر الشريعة الإسلامية فخالية من هذه التفاصيل، ولا تهتم إلا بالإيمان بالملائكة وبالجانب التربوي منه (الذي سوف نبحث عنه)، أما حقيقة الملائكة وتفاصيلها وتجردها وماديتها فلا تجدها في المصادر الأصيلة، ولهذا فالاعتقاد بهذه التفاصيل وبغيرها لا يُعد من الإيمان الإسلامي الذي يدين به المسلم، بل كل ما يجب أن يؤمن به المسلم هو وجود ملائكة الله فقط، كما يجب أن يؤمن بالله وبكتبه وبرسله وأنّ الله جعل من الملائكة رسلاً وأنهم يسبّحون بحمد ربهم ويقدّسونه في الليل والنهار لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، يؤمن المسلم بهذا كله لأن القرآن نصّ عليه وأخبر عنه، أما الجانب العملي من فكرة الملائكة فلا أعرف أي مبدأ وأي دين غير الإسلام تعرض له ما عدا الذي ورد في إنجيل متّى في الإصحاح الأول وفي أعمال الرسل بصورة موجزة.
هذا الجانب تشير إليه بعض الآيات القرآنية التي تعبّر عن الملائكة بـ المدبرات أمرا، والتي تسند كثيراً من الأحداث الكبار في الدنيا والآخرة الى الملائكة، ومن هذه الآيات: إنّ الذين قالوا ربّنا الله ثم استقاموا تتنـزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنّة التي كنتم توعَدون، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة (فصّلت: 30-31).
وتتلخص الفكرة في أنّ الملائكة هم الذين يديرون القوى الكونية الظاهرة والخفية بأمر من الله، وأنهم يطيعون الله ولا يتخلفون عن أمره، فمن يسلك سبيل الحق تواكبه الملائكة قائلين له: نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فالسالك ليس منفرداً في طريق الحق، بل القوى الكونية التي هي طوع يد الملائكة تسانده وتقوّيه وتفرع وحشته.
إنّ المؤمن السالك في سبيل الحق والعدل لا يشعر بالوحدة والوحشة، بل يشعر بمواكبة الكون وتأييدها لقواه، فيطمئن بأنه المنتصر: فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرا (التحريم: 4).
وهذا الشعور ضروري بالنسبة لحمَلة الرسالة وأصحاب المبادئ الذين يحاولون التأسيس وإعادة بناء الإنسان ومجتمعه.

ج / الشيطان:
والحديث عن الشيطان (ملك الشرور) يرتبط بالحديث عن الملائكة، حيث أنه مخلوق كان معهم (حسب وصف القرآن) قبل خلق آدم: مطيعاً ساجداً مسبّحاً لله، ثم عصاه حينما أمره بالسجود لآدم، فرفض استكباراً واغتراراً بعنصره، ثم أُمهل الى يوم الدين، وهو يقود حملة الإغواء وتضليل البشر بالتعاون مع جنوده (قوى الشر).
ويختلف هذا التفسير اختلافاً كلياً عن معنى "أهريمان" عند الفرس القدامى، حيث أنه خالق الشرور، وهو في صراع دائم على رأيهم مع "آهور مزدا" (إله الخير).
يختلف تفسير الشيطان المخلوق عن "أهريمان" الخالق: تماماً.. مبدأ وأثراً، حيث أنّ مشكلة الشر النفسية التي يعانيها الإنسان المؤمن (بإلهَي الخير والشر) هي مشكلة كبيرة، فإنه يرى الكون كلّه والمجتمع والإنسان كلٌ منهما يتبع إله الخير وإله الشر معاً، وهذا الإنسان الذي يشعر بالازدواجية في وجوده وفي مجتمعه وفي مبدئه ومصيره ويعيش في صراع أبدي ذاتاً وسلوكاً وزماناً ومكاناً لهو إنسان محطَّم ضعيف.
ويختلف معنى الشيطان في الإسلام عن ملاك جهنم، و(عن) رئيس هذا العالم، و(عن) إله الدنيا في سائر التفسيرات، وأخيراً: يتفاوت مفهومنا عن الشيطان عن رأي البعض من أنه الموحّد الأكبر الذي امتنع عن السجود لغير الله، فهو عندهم رأس القدّيسين وقائد الموحّدين.
أما أصالة الفكر الديني حول الشيطان فإنها تبلغ القمة في القرآن من الناحية التربوية، فإنّ الشيطان اسمه الأصلي "إبليس" الذي كان من المقربين عند الله، فطُرد من مقام القُرب لأجل معصية صدرت عنه استكباراً، فسُمي الشيطان، فانحرافه وطرده وشقاؤه لعصيانه أوامر، لا لذاتية الشقاء فيه ولا لعفوية الطرد وإبعاده عن مقام القُرب.
ومن جهة ثانية: فإنّ الشيطان كذات يمثّل وحدة قوى الشر وتكتلها أمام قوى الخير في صراع أزلي أبدي بين الحق والباطل مهما كان نوعهما أو وصفهما أو قدرهما.
وأهم النواحي التربوية في إعطاء فكرة الشيطان واستلامه مهمة الإغواء والتضليل مع جنوده (التي منها النفس الأمّارة بالسوء)، أهم هذه النواحي هي تكريس اختيار الإنسان والتأكيد على أنه مخيّر بين الخير والشر: لا مسيّر، لا يهتدي إلا الى دوره الكوني المقرر له.
وقد أوضح القرآن الكريم هذه الناحية في لوحة قصصية رائعة أوضح فيها كيفية الخلق في سورة البقرة (30-38): بموجب هذه الآيات أراد الله أن يجعل في الأرض خليفة.. لا آلة مسيّرة ولا شبه آله، بل أراد خلق موجود يتصرف حسب إرادته ويمارس حريته، حيث أنّ حرية التصرف لا تتم إلا مع وجود نزعتَي الخير والشر في الإنسان، وإلا مع وجود طريقَي الخير والشر في الأرض، خلَق الله الإنسان بهذه الخصائص ثم علّمه الأسماء وجعَله مستعداً لمعرفة حقائق الكون والقوى الكونية متمكناً من الإحاطة بها عن طريق معرفتها، ثم أمَر الملائكة أن يسجدوا لآدم، فخضعوا وسجدوا بأمر الله، وخضوعهم للإنسان يستلزم مطاوعة القوى الكونية (التي هي بيد الملائكة) له، فأصبح آدم سيد الكون خليفة الله في الأرض، وامتنع إبليس من السجود لآدم، وطُرد من مقام المقرّبين، وأُمهل حسب طلبه الى يوم القيامة، وبدأ هو وجنوده بإغواء البشر، وأصبحوا من الدعاة الى طريق الشر يساندون النـزعة الشريرة في الإنسان.
فالكون ميدان للسير في الخط المستقيم، و(كذلك) للانحراف والضلال، والإنسان أمام المفترق يسمع صوت الله بلسان عقله وبلسان ضميره وبلسان أنبياء الله وبالطرق الأخرى للهداية، و(يسمع) صوت الشيطان بلسان نفسه الأمّارة بالسوء وبلسان عناصر السوء والفساد من البشر وغيره، يستمع في حياته الى النداءَين، فيجيب بملء إرادته لنداء الخير أو لنداء الشر، وهكذا نرى أنّ الشيطان في مفهومه الإسلامي يقوم بدور بارز في تعميق التخيّر الإنساني: ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حي عن بيّنة (الأنفال: 42).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://amal-al-mahroumin.ahlamontada.co
أمل المحرومين
المديرة العامة
المديرة العامة
أمل المحرومين


العمر : 33
انثى
عدد المشاركات : 531
مستوى النشاط : 1037

الاهداء
الاهداء:
محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة  نور لمن اهتدى ونار لمن اعتدى0/0محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة  هدية من رب البرية اني موالية حيدر وشيعية  (0/0)

محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة Empty
مُساهمةموضوع: رد: محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة   محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة Icon_minitimeالسبت أبريل 17, 2010 1:13 pm

مشكورة اختي الحركية على مجهودك العظيم
يعطيك العافية
تحياتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://amal-al-mahroumin.ahlamontada.com
عاشقة حركة أمل
حركي مميز
حركي مميز



العمر : 38
انثى
عدد المشاركات : 50
مستوى النشاط : 62

محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة Empty
مُساهمةموضوع: رد: محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة   محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة Icon_minitimeالسبت أبريل 17, 2010 5:28 pm

أمل المحرومين كتب:
مشكورة اختي الحركية على مجهودك العظيم
يعطيك العافية
تحياتي
مشكورة حبيبتي على مرورك العطر
اعاد الله الينا سالما
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://amal-al-mahroumin.ahlamontada.co
عاشقة حركة أمل
حركي مميز
حركي مميز



العمر : 38
انثى
عدد المشاركات : 50
مستوى النشاط : 62

محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة Empty
مُساهمةموضوع: رد: محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة   محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة Icon_minitimeالسبت أبريل 17, 2010 5:31 pm

تكملة لمحاضرة لسماحة السيد موسى الصدر ( الإسلام والثقافة )
النبي:

والنبي عبد من عباد الله، له ما لهم من الحالات والرغبات، ويشعر بما يشعرون من الصراع النفسي بين الخير والشر، بل يتبع في القول والفعل ومعاشرة الناس ما يوحى إليه، وإن لم يكن مطابقاً لمراضيهم، لكنه لا ينحرف ولا ينطق عن الهوى ولا يساير ولا يجامل رغبات الناس ولا يزن الأمور بالموازين الشائعة، يعيش ويهرم ويموت ويُحشر ويحاسَب يوم القيامة.

إنّ النبي (هو) عبد من عباد الله، لا ملاك ولا نصف إله، وبذلك يصبح قدوة صالحة للناس، إماماً لهم، سنداً حياً لواقعية رسالته، مثبتاً إمكانية تطبيق تعاليمه الدينية.

وقد ورد في القرآن الكريم: في سيرة الأنبياء (وفي سيرة النبي محمد) دلائل كثيرة على ذلك، وقد وجّه إليهم النقد والتشجيع والتأييد والتهديد والنصيحة والعتاب على بعض التصرفات، والنبي مع ذلك يتمتع بعناية الله ووحيه وتسديده، وبذلك يصبح قوله ورأيه وعمله ورضاه عن عمل الآخرين سيرة وأسوة حسنة للأمة.

فالصفة المميزة للنبي في الإسلام: كونه عبداً ورسولاً في نفس الوقت، وبذلك تبدو بوضوح أصالة الفكرة وعدم انفعالها بالعاطفة الطبيعية (كما يقول "برتراند راسل") لموقفها من السيد المسيح وتأكيدها أنه ما قُتل وما صُلب، حيث أنّ الإسلام المنكِر لصلب المسيح يؤكد أنّ كثيراً من الأنبياء قُتلوا في سبيل رسالتهم: أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذّبتم وفريقاً تقتلون (البقرة: 87)، فلا ينكر صلب المسيح لعاطفة الزمالة ولا تأثراً بآراء "نوستي سيزم"، بدليل موقفه (الإسلام) أيضاً من المسيح بالذات.

إذن: الرسالة مقام إنساني كبير لا ينـزع صفات البشر عن حاملها، والرسالة أيضاً مقام الاتصال بالله ونقل تعاليمه بكل أمانة.



هـ / المعاد:

والمعاد أيضاً عند الإسلام يتميز بخصائص مهمة تجعله فكرة ذات أصالة، مع أنّ المعاد من المبادئ العامة لجميع الأديان ولكثير من الآراء الفلسفية.

هذه الميزات تتلخص بأنّ الجزاء في يوم المعاد ليس إلا بنفس الأفعال الصادرة عن الإنسان: يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء توّد لو أن بينها وبينه أمداً بعيدا (آل عمران: 30).

ويختلف هذا التفسير عن معاني الحقوق الجزائية وعن تفاسير المعاد في غير الإسلام، حيث أنّ الجزاءات هي نوع من رد الفعل الحسن أو القبيح، للانتقام أو للتأديب أو للإصلاح، فالعمل يختلف عن الجزاء عادةً، ولكن الجزاء في المعاد هو بنفس الأعمال التي تمثّل بالصورة المتناسبة لعالم الخلود.

والمعاد من جهة ثانية هو يوم بروز النتائج ووقت اكتشاف حقيقة الأعمال، وإلا فالجزاء حسب تحديد القرآن هو مقترن بالعمل هنا، لكنه خفي عن الأبصار: ذلك يوم الوعيد (ق: 20)، و لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد (ق: 22).

ومن جهة ثالثة: فالمعاد عند الإسلام هو تمثّل الإنسان بجسمه وروحه للحساب لتلقّي حصاد عمره، والنقاش المعروف بين فلاسفة الإسلام الملتزمين إنما هو حول تحديد معنى الجسم الذي يُحشر، لا في أصل المعاد الجسماني.

والباحث يعرف بعد هذه الملاحظات مدى الفرق الواضح بين المعاد الإسلامي وبين معنى السماء (أو معنى عودة

الروح) عند المصريين القدامى (أو الوثنيين في الجزيرة)، أو انتصار النور على الظلمة عند المجوس.

وأخيراً: تبلغ الذاتية في الإسلام قمتها في قسم الأمثال وقسم التاريخ، حيث أننا نعرف اليوم مدى ثقافة الإنسان في أقطار العالم آنذاك، و(نعرف) مقدار معرفته عن العلم وعن التاريخ حال ظهور النبي محمد وحال نزول القرآن، إننا نعرف ذلك ولكننا نجد أنّ القرآن الكريم لم يتأثر أصلاً بالآراء العلمية السائدة في عصره والمعلومات التاريخية المعروفة عند البشر في ذلك الوقت.

فالآيات الواردة في الاستشهاد بحركات الشمس والقمر والنجوم والأرض وغيرها تكاد تنطبق على أحدث النظريات العلمية من دون تأثر بثقافة عصر نزول القرآن.

والآيات التي تنقل قصص الفراعنة، وخاصةً فيما يعود الى فرعون يوسف وتسميته بالعزيز، وفيما يعود الى غرق الفرعون المعاصر للنبي موسى ونجاته ببدنه، هذه الآيات لم تتأثر أصلاً بالروايات الشائعة في عصر ظهور النبي محمد، بل بعض المعلومات كانت خفية عن معرفة البشر الى زمن اكتشاف تاريخ الفراعنة بواسطة شامبليون.



2- الروحية في الإسلام:

هذا البحث أثار اهتمام كثير من الناقدين والمهتمين بالشؤون الدينية، وقد قرأتُ طويلاً وسمعتُ الكثيرين يناقشون هذا الجانب من الإسلام يقفون عند تدخل الإسلام في الشؤون المادية، وعند مقابلة التعدي بالمثل (الكيد بالكيد)، وعند الاهتمام بالزواج والتأكيد عليه، وحتى الجنّة (عند الإسلام) التي تشبَّه ببستان فيه حور وقصور وأنهار من عسل ولبن وغير ذلك.. (وحياة أبطال الإسلام وقادة المسلمين تؤكد هذه الملاحظات أيضاً).

ولقد تجاهل بعض هؤلاء الباحثين الروحية المتناهية التي تتجلى في العقائد الإسلامية في الخالق وصفاته وأسمائه، و(التي تتجلى) في الإيمان بالغيب (الركن الأساسي للإسلام في القرآن).

ومهما كان: فعلينا أن نناقش هذا الموضوع بصورة موجزة بعد إلفات النظر الى مقدمة إيضاحية.

إنّ التقليد الشائع يقتضي تقسيم الأشياء وأعمال الإنسان بالذات الى مادية وروحية، وحسب هذا التقسيم يبدو أنّ لنا أموراً مادية (..) نظير الأكل والشرب والزواج والتجارة وأمثال ذلك.. ومقابل هذه الأمور: فالصلاة والعبادة والفداء والتضحية والانصراف الى التفكير.. كل ذلك يُعدّ من المعنويات أو الروحيات، لأنّ القسم الأول هو أمور زائلة تناسب جسد الإنسان ورغباته الآنية، والقسم الثاني هو تلبية لميول سامية ولرغبات روح الإنسان وقوامها.

والحقيقة أنّ هذا التقسيم خال من الدقة، ولا ينطبق على التفسير الفلسفي ولا على التعاليم الدينية، ولا يحظى بإقناع روح المؤمن الفاحصة.

فالمادة في التفسير الفلسفي كل موجود يحتاج الى الحيز والأبعاد، أو كل موجود متحرك الذات متطور الحقيقة، والمجرد ما ليس له أبعاد وما لا يحتاج في ذاته الى زمان أو مكان أو حركة.

وعلى هذا التفسير: فجميع الحركات الصادرة عن الإنسان هي مادية، حتى العبادات والفداء والإحسان، وحتى التفكّر: فإنه يقترن بخلايا الدماغ التي هي مادية، ولا يتمكن الفيلسوف أن يتصور انفصال الجسم عن الروح وصدور أفعال من أحدهما بمعزل عن الآخر لكي يسمي بعضها أفعالاً مادية وبعضها الآخر أفعالاً روحية، بل إنّ التفاعل بين الجسم والروح يبلغ درجة تجعل منهما عند كثير من الفلاسفة تركّباً اتحادياً، وقد أبدع صدر الدين الشيرازي حيث

جعَل الروح ذات حدوث جسماني وبقاء روحاني.

فالميزان الصحيح لمعرفة ماديّة شيء وروحيته يعود في أعمال الإنسان الى باعث العمل وغايته، فكم من صلاة أو صدقة أو تفكر هي من المادة في الصميم، وما أكثر الأعمال المادية الاجتماعية أو الإدارية التي تصدر لغايات سامية، فتجعل منها عبادات مقدسة، ومن جهة أخرى: إذا لاحظنا أنّ جميع الموجودات من خلق الله وجميع جوانب وجود الإنسان حقيقة واقعة تُبرز الإرادة الإلهية، إذا لاحظنا هذا كله فمن الصعب جداً أن نفرّق بين وجود وآخر وأن نميّز بين جانب وعمل وبين سائر الجوانب والأعمال.

من الصعب التفريق والتمييز إلا إذا انحرفت الشمس عن الخط الكوني والمركز الطبيعي الذي خُلق لها، وإلا انحرف الإنسان بعمله عن الرسالة الحياتية التي أرادها الله له.

والآن نعود لكي نبحث عن الجانب الروحي من الإسلام، ونقول: إنّ الإسلام يقدّس جميع الموجودات الكونية ويعتبرها بمادّياتها ومعنوياتها كلها ساجدات لله مسبحات بحمده، حتى الموجودات الشريرة أو الضارة، فشرورها وأضرارها نسبية، وإذ استُعملت بقدرها وفي موضعها فلا شر ولا ضرر.

وبالنسبة الى الإنسان: يعترف الإسلام بجميع جوانب وجوده وجميع رغباته، ثم يحاول تنظيم صِلاته بغيره وتنسيق نشاطاته وتعديل رغباته حتى يلعب دوره الكوني، أي: دور خلافة الله في الأرض، فيعيش بجميع جوانب وجوده أفضل عيش وأطيبه وأكثره تمتعاً بالكون.

وفي هذا الخط، خط أداء الواجب مع الحياة الطيبة الكاملة: كل عمل من الإنسان، وكل حركة منه إنما هي مقدسة وعبادة (والعكس بالعكس).

وهكذا: نرى أنّ الإسلام يعطي صفة الروحية لجميع أعمال الإنسان الصادرة عن باعث سليم، ويصبغ جميع الموجودات بصبغة القداسة، فالأصح في التعبير ألا نقول بضعف روحية الإسلام، أو اهتمامه بالماديات، بل نقول بقوة هذا الجانب الى حد يحوّل كل شيء الى الروحيات، ولعل السبب في تعبير القرآن في أغلب المواضيع بالنفس دون الروح لأجل هذه المقارنة، حيث أنّ الروح المهتمة بتصريف شؤون الجسد تسمّى نفساً، والروح إسم خاص للشأن التجردي المطلق الذي يتجلى عند نزول الوحي وتدبير الشرح والذي يواكب الملائكة في بعض الآيات القرآنية.

ومن أطرف ما يُرى في الأحكام والتعاليم الإسلامية أنها تؤكد على أنّ ما خلَق الله من الزينة والطيّبات هو خُلق للإنسان، وتوجّه (الأحكام والتعاليم) اللوم لمن حرّمها (الزينة والطيبات)، إنها تؤكد على هذه، ومع ذلك فقد جعلتها فتنة، وذلك تأكيداً على أنّ النِعم كلما ازدادت وأنّ الأموال كلما كثرت وأنّ الجاه كلما عرض.. يجب بنفس القياس الازدياد من الإيمان والإكثار من التقوى، وإلا فالإنسان يقع في خطر الانحراف عن السيرة والالتهاء بالجانب الشخصي عنها والاستسلام لها.. قال علي: "ليس الزهد ألا تملك شيئاً بل الزهد ألا يملكك شيء".

وعلى ضوء واقع الإنسان وواقع الخلق وتفسير المعاد وكون الجزاء بنفس الأعمال، على ضوء هذه الأمور نفهم واقع الجنة والنِعم التي هيأها الله لعباده المتقين.

وقد حاول القرآن الكريم أن يسبغ على النِعم هذه صفات روحية كالخلود والطهارة وعدم السأم ووجود الصفاء وشمول الأخوّة وعدم استماع اللغو والإثم إلا قيل سلاماً سلاماً، ومع ذلك كلّه جعل رضوان الله أكبر نعمة من الجنّة وأفضل، وذلك للنفس الكبيرة التي كانت تقول: "إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك بل وجدتُك أهلاً للعبادة فعبدتك".

أما حديث مقابلة التعدي بمثله من دون ظلم ولا تجاوز فهو جزء من النظام العام الذي وُضع لصيانة المجتمع وسلامته وحفظاً للإنسان، وسوف نبحثه في القسم الأخير من محاضرتنا.

وأحب أن أذكر هنا نقطة واحدة هي أنّ الإسلام في هذه المواضيع اعتبر العفو خيراً وأقرب للتقوى إذا كان لا يوجب تمادي الطغيان، بل (إذا كان يوجب) الركون الى النظام، وإلا فهو ظلم يُعدّ الإنسان به أحد الظالمين.



3- شؤون المجتمع:

إنّ الإسلام لم يكتف في تعاليمه بالعقائد وبالتوجيه الخلقي، بل قدّم نظاماً عاماً يشمل صلات الفرد بالآخرين وبالدولة وتنظيمات إدارية ودولية، فضلاً عن قوانين الأحوال الشخصية.

هذه التدخلات التفصيلية في الشؤون الحياتية تفتح مجالاً للتساؤل عن سببها، ثم: هل بالإمكان وضع نظام ديني يتمتع بالقداسة والثبات للمجتمع وشؤونه المتطورة في كل عنصر؟.

ولأجل إيضاح هذه النقطة التي أعتبرها أهم النقاط في هذه المحاضرة، والتي تجاوز السؤال عنها نطاق الكتب الباحثة عن الإسلام، بل أصبحت مجالاً لتساؤلات الجميع (حتى المسلمين أنفسهم)، لأجل إيضاح هذه النقطة نطرح أولاً هذا السؤال: هل الذين يكتفون أو يريدون من الأديان أن تكتفي بالإيمان والأخلاق يعتقدون أنّ صيانة الإيمان والمحافظة على الأخلاق الحسنة أمران ممكنان لمن لا يرتبط في عمله الخارجي بخط يتناسب مع الإيمان والأخلاق المذكورين؟.

هل الإنسان الذي يُعدّ موجوداً واحداً (لا موجودات متعددة)، هذا الإنسان: هل يتمكن أن يعزل روحه عن تأثيرات جسده أو يمنع جسمه من التفاعل بروحه والإيمان والأخلاق اللذين هما من أفعال النفس، هل يمكن إبعادهما عن تأثيرات أعمال الجسد؟.

طبعاً الجواب واضح: فإنّ التفاعل بين جوانب وجود الإنسان أمر بديهي، ولهذا: لأجل صيانة الإيمان والأخلاق لا بد من أن يتقيد الإنسان بعمله وأن يرتبط برباط يتناسب مع الصيانة الروحية المذكورة، والقرآن الكريم (مثل بقية الكتب المقدسة) يؤكد هذا التفاعل ويعلن أنّ ممارسة الأعمال تنـزع الإيمان عن القلب: ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى أن كذّبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون (الروم: 10). ثم: هل من المعقول أن يعيش الإنسان في مجتمع يناقض الخط الذي يسلكه في عمله ويتنافى منع إيمانه وأخلاقه.. وهو لا ينفعل بذلك المجتمع!.

إنّ الإنسان في تكوينه.. في حياته.. في حاجاته.. في وعيه.. في تفكيره.. وفي جميع جوانب حياته: الإنسان في جميع ذلك موجود اجتماعي يتفاعل مع مجتمعه الذي يعيش فيه، فهل يمكنه أن يعزل إيمانه وأخلاقه وأعماله الشخصية عن تفاعلات مجتمعه؟، أعتقد أنّ الجواب عن هذا السؤال أيضاً واضح، ولهذا فقد أكد الإسلام على لزوم إيجاد مجتمع يتناسب مع الإيمان والأخلاق والأعمال الصالحة، وأعلن بصراحة: "ما آمن بالله واليوم الآخر من بات شبعاناً وجاره جائع"، أكرر كلمة "ما آمن" لكي ننتبه الى التناقض الذي يراه الإسلام بين الإيمان وبين سوء الوضع الاجتماعي الذي يوجب هذه الظاهرة. وعلى هذا الأساس نجد أنّ الإسلام (الذي يؤكد نبيّه: "إنّما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق") يحـاول

لأجل التمكن من هذه الغاية أن يتدخل في الحياة العملية للإنسان، ثم في الحياة الاجتماعية، فيضع لذلك مبدأ الحلال والحرام، ولهذا: فالأنظمة القانونية الواسعة أصبحت قريب النصف من التعاليم الإسلامية.

فلندخل فوراً في مطالعة السؤال المهم الذي ينبع من صعوبة انسجام القوانين الثابتة مع المجتمع المتطور، والجواب عن هذا السؤال يحتاج الى عرض ثلاثة أمور:

أولاً: إنّ التطور في الحياة وفي التاريخ البشري معناه تفاعل الإنسان مع الكون، فالإنسان في كل يوم تزداد تجاربه وتتقدم علومه، فيكشف أشياء جديدة عن الكون، ثم يستعمل معرفته الجديدة ويمارس وعيه الجديد، فيستفيد من القوى الكونية المكتشَفة ويطوّر بذلك حياته الشخصية والاجتماعية وينتقل الى فعل جديد من التاريخ البشري الطويل.

فالتطور هو قراءة الإنسان سطراً جديداً من كتاب الكون، و(يعني) أنه في صفحة جديدة من هذا الكتاب و(أمام) آثار هذه القراءة من ممارسة معرفته الجديدة والتغيرات الناتجة عنها.

هذا مفهومنا عن التطور، وإلا فليس هناك موجب للتطور يدخل من عالم الى آخر في حياة الإنسان وفي العالم الذي يعيش فيه الإنسان، ليس هناك شيء يطوّر حياة الإنسان من الخارج (..).

إنّ التطور هو تفاعل الإنسان مع الكون فقط، والمعروف أنّ الإنسان والكون عنصران كانا في مسرح الحياة من أول الخلق، ما زاد فيهما شيء، ولا نقص منهما شيء، بل تبدأ صفحة جديدة من الحياة بكل كشف جديد للإنسان عن الكون.

ثانياً: إنّ الدين (حسب رأي الإسلام) شريعة وضعها خالق الكون والإنسان (أي: الله سبحانه)، فهو حيث أنه خالق للكون يعرف جميع جوانب وجوده.. ظواهره.. وبواطنه.. ويعرف أيضاً جميع جوانب وجود الإنسان وجميع حاجاته ورغباته، إنّ الله يعرف هذا كله، فوضَع قوانين لكي يتمتع الإنسان بالكون فيحيى حياة طيبة كاملة، تماماً مثلما تضع مؤسسات صنع السيارات توجيهات لصيانة السيارة والاستفادة الكاملة منها، لأن المؤسسة خبيرة بكيفية صنع السيارة ومشخّصاتها وطرق الاستفادة الكاملة منها.

ثالثاً: قلنا أنّ الله خالق للكون وعارف به، وخالق للإنسان وعارف به، وقد وضع نصوصاً وتوجيهات لكي يعيش الإنسان في الكون حياة طيبة كاملة.

وحسب رأي الإسلام أيضاً: صنَع الله الشريعة والتوجيهات المذكورة بكلمات صادرة عنه هي الآيات القرآنية، حيث أنّ الإيمان الإسلامي يرى أنّ القرآن مَنـزلة بألفاظه بعينها، والمعروف أنّ كلام الله يختلف عن كلام البشر تماماً، حيث أنّ فهم كلام البشر محدود بمستوى معرفة القائل، ولا يمكن التجاوز لهذا الحد، وكلما ازداد مستوى معرفة المتكلم ازداد إمكان تفسير كلامه والتعمق فيه، ولهذا السبب يتعمق القضاة والمحامون في تفسير نصوص القوانين الى درجات تتجاوز حدود تفسير كلام العامة من الناس.

وحيث أنّ مستوى معرفة الله لا حد له، فيمكن الاعتماد على جميع مراحل مدلولات كلامه، وكلما ازداد التعمق فيه يتبين معنى جديد لكلامه.

فكـلام الله من هذه الناحية مثل الحقائق الكونية، بل هو بعينه من الحقائق الكونية يُكتشف منه في كل مرحلة

شيئاً جديدا: كما تظهر كل يوم صفحة جديدة من حقيقة الإنسان (بمعرفته الجديدة).

وبعد عرض هذه المقدمة نعود الى الجواب عن التساؤل المذكور، فنقول: إنّ الإنسان له تفاعلات مع الكون تشكّل أساس التطور، وهذه التفاعلات تنظّمها شريعة الله، ولها أيضاً مع كل مرحلة من التطور تعاليم متطورة تتناسب مع المرحلة التي يعيشها الإنسان، فتنظّم الصلات والتفاعلات الثابتة بين الإنسان والكون، وخلاصة الجواب أنّ على مسرحنا عوامل ثلاثة يواكب كل منها الآخر باكتشاف مراحل جديدة وحقائق جديدة.

وبهذه الطريقة الموجزة يمكننا أن نحتفظ بصفة القداسة للأنظمة الدينية العائدة للإنسان والمجتمع، مع إفساح المجال لتطويرها في الإطار العام الذي يتضح للباحث عنها، فالتعاليم المتطورة تحتفظ بإلهيتها وقوتها وقيادتها، حيث أنها مستقاة من القواعد الثابتة الدينية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://amal-al-mahroumin.ahlamontada.co
مجاهد أمل
حركي فضي
حركي فضي
مجاهد أمل


العمر : 34
ذكر
عدد المشاركات : 359
مستوى النشاط : 636

محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة Empty
مُساهمةموضوع: رد: محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة   محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة Icon_minitimeالسبت أبريل 17, 2010 6:48 pm

السلام عليك يا سيّدي أيها الصدر السجين
مشكورة أختي على هذا المجهود المميز وأعاد الله إمامنا سالماً ليعطي تلك المحاضرات من جديد في سبيل نشر الإسلام وثقافته
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://amal-al-mahroumin.ahlamontada.com
mahdi
حركي فضي
حركي فضي
mahdi


ذكر
عدد المشاركات : 264
مستوى النشاط : 217

محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة Empty
مُساهمةموضوع: رد: محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة   محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة Icon_minitimeالإثنين أبريل 19, 2010 6:19 pm

الله يسلمك ويحفظك من كل سوء مشرفتنا العزيزة بنت حركة أمل

الأروع مرورك المشرّف
والله يرد الإمام الصدر سالماً غانماً بحرمة الحسين غريب الغرباء ...

ألف شكر لك على المرور ... بارك الله فيك
تحياتي والتقدير

عاشق الصدر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» حقيقة اخفاء الامام القائد السيد موسى الصدر
» محاضرة للامام الصدر عن التربية الدينية (1و2)
» محاضرة عن حضارة الاسلام للامام الصدر
» السيد موس الصدر
» موسى الصدر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمل المحرومين :: عـــــــــالــــــــــــــــــم أمــــــــــــــــــــــــــــــــل :: www.wafaa-aoun.alafdal.net :: الامام السيد موسى الصدر-
انتقل الى: